لماذا نهي النبي عن التبتل وما هو التبتل؟!

لمحة نيوز

في زمن يزداد فيه الجدل حول مفاهيم دينية واجتماعية متعددة، يبرز مصطلح "التبتل" بوصفه أحد المفاهيم التي يساء فهمها أحيانًا، خاصة عندما تُربط بمواقف دينية أو رغبات شخصية في ترك الزواج والانقطاع عن العلاقات الزوجية. ويزداد هذا الغموض عندما يُنسب هذا المفهوم إلى التدين، أو يُفهم على أنه نوع من الزهد أو القرب من الله، رغم أن النبي محمد ﷺ نهى عنه بوضوح.

التبتل في اللغة هو الانقطاع، ويُقال "تبتل إلى الله" أي انقطع للعبادة وتفرغ لها. أما في الشريعة، فالتبتل له دلالة شرعية تختلف حسب السياق. في القرآن

الكريم ورد قوله تعالى: "وتبتل إليه تبتيلا"، وكان المعنى هنا التفرغ القلبي لله دون أن يعني ذلك ترك المباحات. لكن المعنى الذي جاء النهي عنه في سنة النبي ﷺ هو التبتل الذي يحمل فكرة الانقطاع عن الزواج والعلاقات بين الرجل والمرأة، بدعوى التفرغ للعبادة أو الزهد التام في الدنيا، وهو ما رآه النبي ﷺ تجاوزًا للفطرة ومخالفًا لسُنته.

تُروى في الأحاديث الصحيحة قصة ثلاثة رجال جاءوا إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادته، فلما أُخبِروا بها، شعروا بأنها قليلة، وقال أحدهم إنه سيصلي الليل كله، وقال آخر إنه

سيصوم الدهر، وقال ثالث إنه لن يتزوج أبدًا. عندما سمع النبي ﷺ ذلك، ردّ عليهم ردًا حازمًا، وأوضح أنه رغم كونه أتقى الناس لله، إلا أنه يصوم ويفطر، ويصلي ويرقد، ويتزوج النساء، وختم حديثه بقوله: "فمن رغب عن سنتي فليس مني". كان هذا ردًا واضحًا بأن ما ظنوه تقوى هو في الحقيقة ابتعاد عن الفطرة، وعن المنهج المتوازن الذي أراده الله لعباده.

الامتناع عن الزواج بدافع العبادة قد يبدو للبعض طريقًا إلى الطهر الروحي، لكنه في الحقيقة انحراف عن التوازن الذي يُعد جوهر الإسلام. فالزواج في الإسلام ليس فقط حاجة بشرية،

بل هو عبادة إذا نُظر إليه بالنية الصالحة، وقد سُئل النبي ﷺ عن أجر العلاقة بين الزوجين، فقال: "وفي بضع أحدكم صدقة"، ليفتح بذلك بابًا لفهم أعمق لهذه العلاقة، بعيدًا عن الحرج أو التقليل من شأنها.

رفض النبي ﷺ للتبتل لم يكن رفضًا فرديًا أو موقّتًا، بل كان تأسيسًا لمبدأ: أن الإنسان خُلق ليتوازن، لا ليُقصي حاجاته الفطرية. فحين يُلزم الإنسان نفسه بترك الزواج نهائيًا، فإنه في كثير من الأحيان يُعرض نفسه لحالة من الجفاف العاطفي والاضطراب النفسي، لأن الروح لا تكتمل دون جسد، والعاطفة لا تُهمَل دون أثر.

 

تم نسخ الرابط